ادعمنا

مشروع الاتحاد من أجل المتوسط - Union for the Mediterranean

إن التحولات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، ولدت في الكثير من والدول شعورا اللاأمن واللااسقرار، ومن بين هذه الأقاليم حوض البحر الأبيض المتوسط الذي تربط ضفتيه بين دول متقدمة في الشمال ودول متخلفة في الجنوب، حيث يواجه هذا الاقليم تهديدات اجتماعية، اقتصادية بالدرجة الأولى، مثل الهجرة غير الشرعية، الارهاب الدولي، الجريمة المنظمة وغيرها… ما استدعى بالدول الأوروبية بإعادة النظر في علاقاتها مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط، واقامة مشاريع بين الطرفين لإرساء الأمن والسلم، ومن بين هذه المشاريع، مشروع الاتحاد من أجل المتوسط...

 

مراحل طرح مشروع الاتحاد من أجل المتوسط:

أطلق الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي"  الاقتراح لاتحاد متوسطي أثناء حملته الانتخابية في 7 شباط/فبراير 2007، في خطابه  في مدينة تولون أعلن فيه أن الحوار الأورو-متوسطي الذي بدأ قبل اثنتا عشرة سنة في برشلونة قد أخفق في إنجاز أهدافه وبأن هذا الإخفاق كان متوقعا ما دامت أولوية أوروبا كانت في الشرق، فكانت المبادرة التي طرحها نيكولا ساركوزي على عدد من العواصم المتوسطية التي زارها بعيد فوزه الانتخابي، وبعد خمسة أشهر من ذلك أي في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2007  قدم الرئيس نيكولا ساركوزي في خطابه في طنجة رؤية أكثر توسعا للمبادرة، حيث جادل في خطابه بأن الاتحاد المتوسطي لا يسعى إلى استبدال "عملية برشلونة"، ولكن استهدف إعطاءها دافعا جديدا للذهاب  وللانتقال إلى مستوى آخر.

وفي 20 كانون الأول/ديسمبر 2007 نجحت الدبلوماسية الفرنسية في جمع رؤساء جمهوريات وحكومات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا في قمة ثلاثية عقدت في روما، تمثلت في مجموعة من الانعطافات التي تعكس الأخذ بعين الاعتبار الاعتراضات الإسبانية والإيطالية على مبادرة الإتحاد المتوسطي، وأهمها: تغيير تسمية المشروع من "الإتحاد المتوسطي" إلى "الإتحاد من أجل المتوسط"، أي أن الأمر لم يعد يتعلق باتحاد سياسي للمتوسط، بل بجهد موحد من أجل السلام والازدهار والحوار، إضافة إلى التأكيد على الفصل بين الإتحاد من أجل المتوسط ومشروع انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، فرغم اتخاذ فرنسا موقفا معارضا بشدة لانضمامها، إلا أنه تم تشجيع انخراطها في الاتحاد من أجل المتوسط، وكنتيجة نهائية للشكوك الألمانية حول المبادرة، فإنه بتاريخ  02 آذار/مارس 2008 كان لاجتماع لساركوزي بأنجيلا ميركل أن أسفر عن تنازل ساركوزي بأن يتوسع الاتحاد من أجل المتوسط كي يستوعب كل بلدان الاتحاد الأوروبي.

وفي إطار ملاحظات المجلس الأوروبي المنعقد في 14-13 آذار/مارس 2008 ورد تغيير المشروع تحت مسمى جديد " عملية برشلونة: الاتحاد من أجل المتوسط"، وكانت الفقرة المخصصة له كالآتي: "وافق الاتحاد الأوروبي على مبدأ اتحاد من أجل المتوسط يضم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والدول المشاطئة للمتوسط التي ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ويدعو المجلس المفوضية إلى أن تقدم له المقترحات الضرورية من أجل تحديد الترتيبات لما سوف نسميه: "عملية برشلونة: اتحاد من أجل المتوسط "، وبالفعل فقد أطلقت "مسيرة برشلونة: الإتحاد من أجل المتوسط" في اجتماع القمة الأوروبية المتوسطية في باريس يوم 13 تموز/يوليو 2008، وأكد الإعلان المشترك الذي تمت المصادقة عليه خلال اجتماع رؤساء الدول والحكومات بأن المبادرة تهدف إعطاء مسيرة برشلونة "دفعا جديدا"، ويؤكد الإعلان على أن "عملية برشلونة: الاتحاد من أجل المتوسط" مبني على أساس إعلان برشلونة وأهدافه لبناء السلام والاستقرار والأمن بالإضافة إلى مبدأ برشلونة "الشراكة  متعددة الأطراف".

فكان التأكيد من جديد من خلال بيان باريس في 13 تموز/يوليو – 2008 الذي ترأس اجتماعه الرئیسین الفرنسي والمصري، وشاركت فيه  43 دولة أوروبية ومتوسطية، على أن الشراكة الجديدة تهدف إلى "حقن زخم جديد ومستمر وتعزيز الحقول الرئيسية للتعاون التي أسست في عملية برشلونة"، وذلك بتضمين قمم نصف سنوية بين رؤساء الدول والحكومة تنعقد بالتناوب في بلدان الاتحاد الأوروبي وفي بلدان المتوسط، مع أخذ تلك الأهداف بعين الاعتبار، جاء البيان النهائي لاجتماع مرسيليا الوزاري في  4-3 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 ليعلن عن مقدمة للإطار المؤسساتي الجديد للاتحاد من أجل المتوسط، وإشارته إلى أن الأطراف ستعمل من أجل جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ودعم عملية السلام، كما يضع البيان قائمة بمجالات التعاون لعام 2009 وبالمشاريع ذات المستوى الإقليمي.

تم توقيع اتفاقية المقر بين الاتحاد من أجل المتوسط وحكومة اسبانيا يوم 04 أيار/مايو 2010 حيث حصلت الأمانة العامة بموجبها على امتيازات وحصانات منظمة دولية تحت القانون الاسباني، حيث يوجد مقر الأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط بمدينة برشلونة الاسبانية، كما تم تحديد مهام الأمانة العامة للاتحاد وتمت اعادة تنسيق المشاريع الاقليمية  لكي تتماشى مع مبادئ القانون الدولي، حيث تعقد الأمانة اجتماعات لمناقشة مقترحات المشاريع والمصادقة على ميزانية الأمانة العامة وبرامج عملها

تم بناء مشروع الاتحاد المتوسطي وفق الحدود والشروط التالية:

- يجب أن يكون براغماتيا وتتحرك هندسته وفق المشاريع المحددة .

- يضع ومنذ البداية ومن ضمن الاولويات الثقافة والتعليم والصحة والرأسمال البشري، وايضا العدالة والنضال من اجل مكافحة عدم المساواة .

- أنه اتحاد المشاريع من اجل جعل المتوسط "المختبر الاكبر في العالم للتنمية المشتركة ."

- لن يحل الاتحاد محل المبادرات والمشاريع الموجودة بل سوف تكون مهمته اعطائها دفعا جديدا.

- أنه سوف يتأسس على اراده سياسية تترجم نفسها بإعمال ملموسة ومشتركة.

- عدم الخلط بين الاتحاد المتوسطي ومسار برشلونة، على أن تكون المفوضية شريكة كاملة للاتحاد المتوسطي.

 

دوافع مشروع الاتحاد من أجل المتوسط:

كان لهذا المشروع دوافع عديدة يمكن تحديدها في ما يلي:

- دوافع اقتصادية: وهي تتعلق بقوة دول المتوسط اقتصاديا من حيث الموارد والأسواق بالنسبة إلى أوروبا عامة وفرنسا خاصة.

- دوافع سياسية: وتتعلق بالتوجه الأمريكي إزاء منطقة الشرق الأوسط وعدم قدرة أوروبا لمواجهة هذا النفوذ بمفردها، فضلا عن فشل السياسات الأوروبية تجاه منطقة حوض المتوسط وضعف سياساتها اتجاه الشرق الأوسط.

- دوافع أمنية: أن هاجس الأمن خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية حربها على الارهاب جعل الهاجس الأمني لدى أوروبا خاصة مع ازدياد معدلات الهجرة إليها كبير جدا، ولذلك بدأت بالبحث عن آليات جديدة تتلائم ومستجدات الوضع الدولي الحالي لتأمين هذا الهاجس.

- التنافس الدولي: أن الاندفاع الدولي للدول الكبرى والمتقدمة نحو البحث عن بدائل جديدة وغنية بالموارد، وأرض خصبة للاستثمارات الكبيرة، جعل كلا من الصين واليابان والهند والولايات المتحدة تتسابق نحو افريقيا، المتعطشة للتنمية الاقتصادية والبشرية، وهذا التغلغل الصيني  في دول جنوب المتوسط خلق وعي أوروبي تجاه ضرورة تغيير السياسات الأوروبية القديمة وتوسيع اهتمامات الشراكة لتصب في صالح الدول غير الأوروبية أيضا.

- فشل السياسة الأوروبية التي اتبعتها منذ عام 2004 وهي ما تسمى "بسياسة الجوار الأوروبي"، وهي كما يشار من عنوانها سياسة أوروبية منفردة اتجاه بعض الدول وليس سياسة أوروبية مشتركة ضمن شراكة حقيقية وفقا لإعلان برشلونة، وهذه السياسة أثارت حقيقة الدول المتوسطية الأخرى، بسبب سياسة التفضيل التي اتبعتها في التعامل في مجال الاستثمار أو التجارة أو التسهيلات اتجاه بعض الدول دون غيرها، ودخلت بذلك منطقة المتوسط في إطار اتفاقيات ثنائية بين أوربا كوحدة ودول المتوسط المنتقاة منفردة، وهذا الجانب أضعف كثيرا من بنود وآليات عمل برشلونة وأفرغ الاعلان من مضمونه الحقيقي وأهدافه المستقبلية المتوخاة.

 

أهداف مشروع الاتحاد من أجل المتوسط:

- تشــكيل "مجلــس منــتظم" تحــت رئاســة دوريــة مشــابهة لنموذج رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية، وذلك لمعالجة قضـايا الطاقــة والأمن والهجــرة والتجــارة ومكافحــة الإرهــاب.

- مبادلـة الخبـرة الفرنسـية فـي الطاقـة النوويـة بالاحتياطـات الغازية لشمال أفريقيا (الجزائر، ليبيا، مصر(.

- التطلـــع إلـــى جعـــل "الاتحـــاد المتوســـطي" هـــذا محركـــا للتعاون في منطقة المتوسط.

- إنشــاء "بنـــك متوســـطي للاســـتثمار" مشـــابه لنمـــوذج "البنـك الأوروبي للاسـتثمار" تكـون مهامـه تقـديم المسـاعدات لتنمية اقتصاديات الدول المتوسطية الجنوبية.

أما في ما يتعلق بالأهداف الفرنسية من الاتحاد، فق كانت هناك جملة من الأهداف في هذا الإطار هي:

- تدعيم مصالح فرنسا ودورها في المنطقة العربية وبالذات في شمال افريقيا والشرق الأوسط وفي أوروبا واعطاء الاتحاد الأوروبي دفعة قوية باتجاه دور سياسي عالمي جديد في حوض المتوسط والعالم.

- ابعاد تركيا من عضوية الاتحاد الأوروبي من خلال تحويل وجهة نظرها من هدف العضوية في الاتحاد إلى مجال أوسع يتمثل بانضمامها إلى الاتحاد من أجل المتوسط ولعب دور في الترتيبات من حيث التعاون والأمن على المستوى الاقليمي. 

- رغبة فرنسا بالعودة إلى الشرق الأوسط ولعب دور رئيسي في قضية الصراع العربي الاسرائيلي.

 

ردود الفعل على مشروع الاتحاد من أجل المتوسط:

في ما يلي بعض ردود الفعل لدى الجانبين الأوروبي والمتوسطي:

ألمانيا: كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد رفضت المشروع الأولي للرئيس ساركوزي الذي كان يقتصر على الدول الساحلية المطلة على المتوسط وقالت "أن هذا يخلق موقفا خطيرا، إذ أن ألمانيا يمكن أن تتجه إلى أوروبا الوسطى والشرقية بينما تتجه فرنسا إلى المتوسط وسيخلق ذلك توترا غير مستحب" واستجاب ساركوزي وصرح بأن الاتحاد من أجل المتوسط سيشمل كل الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بما يجعل المشروع الجديد امتدادا لعملية برشلونة، كما صرحت فيما بعد ميركل أن هذا الاتحاد سينقل عملية برشلونة إلى مستوى آخر.

اسبانيا: أعربت اسبانيا عن تحفظها ومخاوفها من أن يؤدي المشروع إلى تقويض عملية برشلونة ليحقق نفس الأهداف التي يحاول الاتحاد الجديد تحقيقها إلا أن مدريد عادت بعدها لتخفف من شكوكها في المبادرة الفرنسية بعدما تم الاتفاق على أن الاتحاد لن يكون كيانا جديدا مستقلا على أنقاض "عملية برشلونة" ولكنه سيكون مكملا لهذه العملية، وبالتالي انتعشت الآمال بأن تكون المبادرة الجديدة مجرد خطوة لتطوير "عملية برشلونة".

المغرب: شدد المغرب على أنه من المهم لبلاده أن تعقد اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي في إطار سياسة الجوار الأوروبي.

الجزائر: أكد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة أن هناك عقبات لابد من التغلب عليها، وخاصة تسوية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني والصحراء الغربية، وأنه لابد من التواصل بين أهداف الاتحاد من أجل المتوسط وخطوطه العامة وبين الآليات القائمة، حيث لخص وزير الخارجية الجزائرية  آنذاك بالقول أن "هذه المبادرة يجب أن تستلهم من التجارب السابقة وأن تندرج ضمن مقاربة ملموسة أكثر في مجال التنمية المشتركة وتنويع المبادلات مع إعطاء أولوية لحرية تنقل الأشخاص الذين سيكونون عوامل لديمومة هذا التعاون".

 

المصادر والمراجع:

قاسم محمد عبد الدليمي، "العرب من الشراكة الأورو متوسطية إلى الاتحاد من أجل المتوسط: دراسة في المتغيرات والمواقف". "مجلة جامعة النهرين"، كلية العلوم السياسية، ب.س.ن.

جعفر عدالة، " تطور سياسات دول الاتحاد الأوروبي بعد الحرب الباردة في منطقة المغرب العربي". "مجلة العلوم الاجتماعية". ع 19، ديسمبر 2014.

جويدة حمزاوي، "التصور الأمني الأوروبي: نحو بنية أمنية شاملة وهوية استراتيجية في المتوسط". جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، تخصص دراسات مغاربية ومتوسطية في التعاون والأمن.

لطفي صور، "التوجهات الأوروبية الجديدة في منطقة البحر المتوسط". جامعة أبو بكر بالقايد تلمسان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مذكرة تخرج مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، تخصص العلاقات الدولية،2012.

زهية كتاب، "الشراكة الأورو مغاربية أبعادها ورهاناتها". جامعة الحميد بن باديس مستغانم، كلية الحقوق والعلوم السياسية، أطروحة لنيل شهادة  دكتوراه في الحقوق تخصص القانون الدولي للأعمال، 2019.

الاتحاد من أجل المتوسط، مقال منشور على موقع الجزيرة نت 2011/01/04، تم التصفح 2020/11/17 الساعة: 10:00.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia